الجيش و القضاء و تمكين الأخوان من الانتخابات

كانت أهم زيارة قام الرئيس السابق مبارك إلي أمريكا في عام 2005 و قد تم فيها الضغط عليه من الإدارة الأمريكية في البيت الأبيض من الرئيس بوش الابن لكي يقوم بإصلاحات جذرية على مستوى السياسي و الاجتماعي في مصر و الديني أيضا (بإصلاح و تحجيم دور المدارس الدينة التي تورد الإرهاب) إلي العالم ، من خلال التغيرات الدستورية و القوانين المكملة لها و التي تصب في اتجاه حقوق الإنسان و النهوض بالمرأة و التي تسمح بالمشاركة الفعلية لجميع القوى السياسية على الساحة بما فيهم القوى الإسلامية المعتدلة من خلال انتخابات شفافة نزيها

كان مبارك يخيف الغرب من القوى الإسلامية و يقوم بابتزازهم لضمان استمراره في الحكم و في نفس الوقت كان يقوم بتغذية هذه القوى داخليا و تركها لتنمو و لتتغلغل في مؤسسات الدولة بدون عمل أي حائط صد دفاعي ثقافي على المستوى التعليمي و الإعلامي ليتمكن من خلاله من جعل الرصيد الإنساني عند المواطن المسلم يتغلب على أي نزعات تطرفية أو كراهية أو عنصرية لإقصاء الأخر

سمح مبارك بتنمية روح الكراهية و العنصرية ضد اليهود و المسيحيين بين المسلمين منذ الطفولة في المدارس حتى أصبح المسلم في مصر كتلة من الكراهية لما هو غير إسلامي و فاقد في نفس الوقت لإحساس بقيمة نزاهة الحق و العدل و الجمال بين البشر كإنسان

كان مبارك على علم جيدا بوجود الأخوان و الإسلاميين داخل الجيش لذا عمل لهم آلف حساب و عمل على كسب ودهم و ولاءهم من خلال (المشير طنطاوى) و تعيينات كبار القادة من أتباعه و عدم تسريحهم مبكرا و لذا نجد الكثيرين منهم يتخطون سن المعاش و قد قاموا بحماية مبارك طوال فترة حكمة و حتى الآن و عموما لم يكن الجيش برئ من كل ما فعله مبارك و لكنه كان طوال الوقت مشارك فعال في الأحداث من خلف الكواليس

قام الجيش بحماية مبارك من الإسلاميين و في نفس الوقت حماية الإسلاميين منه و من بطشه من خلال شكواهم الدائم من جهاز الشرطة .... العمليات الفردية من بعض ضباط الجيش في الانقضاض على أقسام الشرطة منذ السبعينات في القرن الماضي تظهر لنا العلاقة التنافسية العدائية التي كانت بينهما

تراجع الدولة المدنية في مصر لصالح الدولة الدينية بدا فعليا منذ 2005 بعد تلك الزيارة الشهيرة و كان اعتقاد مبارك و (معه قوى الجيش و المخابرات) أنه بأسلمه الحياة و المجتمع معا في مصر و بإسراع وتيرة ذلك من خلال الأعلام و التعليم و اضطهاد الأقباط العلني سوف يجعله يكسب عطف الغالبية حوله من المسلمين و يبعد عنه شبح السقوط ويقيه من استمرارية الضغوط الغربية المطالبة بالتغير ، لذا قام بفك قبضة يديه عن الإسلاميين و جعلهم يعملون بقوة في المجتمع بحجة حماية المجتمع من الهجمة التبشيرية الغربية على الشرق منذ اجتياح و أفغانستان والعراق و كان و هو لا يدرى يقوم شخصيا بعمل ما كان يحذر الغرب منه

حركة 25 يناير بدأت بتظاهره الشعب بسذاجة و بعفوية و أعقبها قيام الجيش باستغلال هذا الظرف التاريخي بالانقضاض و الهيمنة على جهاز الشرطة و مخابراته بمساعدة الأخوان و السلفيين الوهابيين و تحميل جهاز الشرطة كل مساوئ النظام و فساده و انتهت إلى حركة تصحيح الأوضاع و القفز على السلطات و توزيع الغنيمة من خلال (الأخوان و الإسلاميين العاملين في الجيش و القضاء و الأزهر) و هم المهيمنين الفعلين على هذه المؤسسات و سوف تقوم الانتخابات القادمة مجرد تحصيل متفق علي ملامحه مسبقا و وسيلة لإعطاء صفة الشرعية لتلك (المافيا الجديدة) المتكونة

تجلت لنا أول (عملية مبرمجة) تشرف عليها تلك المافيا الجديدة من خلال عملية التصويت الماضية على بعض التعديلات الدستورية (غزوة الصناديق) و المتفق عليها من قبلهم .... و ما صاحبها من إغماض لعين و الأذن من قبل اللجنة المسؤولة الانتخابات عن الأعمال العنصرية التي كانت مصاحبة لهذه (الغزوة) حتى وصل الأمر إلى المشاركة في الدعاية لهم رسميا و كانت نتيجة التصويت يشوبها الكثير من الشكوك ،فمن المستحيل عمل فرز يدويا في بضعة ساعات لـ 18 مليون ورقة تصويت و في ظل مشاركة القضاء في أول عملية تزوير صراحة وحيدا و منفردا و قد تم وضع نسبة نتيجة التصويت بالاتفاق فيما بينهم

رد الفعل العنيف من قبل تلك المافيا الجديدة على التظاهرات عموما و الذي أدى في نهاية الأمر إلي (مذبحة ماسبيرو) و قتل فيها الأقباط العزل بواسطة الجيش ، كان نتيجة الخوف من كسر هذا السيناريو و المعد مسبقا و حتى لا يتم الخروج عن النص مرة ثانية مستقبلا

لا يختلف القضاة عن قادة الجيش كثيرا فهم حفنة من الفاسدين العنصرين و هم بلا رابط أو ضابط (كما يقال) على أحكامهم و أهوائهم التي تتسم بالعنصرية الدينة و الاجتماعية و هم باختصار حفنة (عفنة من البشر) تم تعينهم بالواسطة بسبب انتماءاتهم الأسرية و ليس بسبب نزاهتهم الشخصية .... زادهم (عفانة) بتغلغل الأخوان و السلفيين بين صفوفهم من عشرات السنوات

في الدول المتحضرة يشارك طلبة المداس و الجامعات و من (غير الحركيين و السياسيين) في القيام بالأشراف على الانتخابات و بعمليات الفرز المصاحبة لها و هم يمثلون في المجمل ما لا يقل عن 70% من مجموع المشرفين القائمين على العملية .... لماذا هؤلاء الطلبة ؟ ... لأنهم ليس لهم غرض مباشر أو (لم يتوسخوا بعد) بالإضافة إلى كونهم أحرص على عدم تزيف الأصوات و على الشفافية

التغاضي عن الأحزاب الدينة الجهادية و التصريحات العنصرية المصاحبة لها لإرهاب البشر و الناخبين هو جزء من عملية تزيف كبرى لآي انتخابات تتم قبل حدوثها و يشارك في ذلك و مباشرة هؤلاء (الحفة العفنة) من القضاء عموما و اللجنة المشرفة على الأحزاب و الانتخابات خصوصا

سوف تزداد حدة الهجوم على باقية المرشحين من غير الإسلاميين من قبل الأخوان و السلفيين كلما اقتربنا من موعد الانتخابات من خلال الصحافة و الأعلام و المساجد و سوف يوفر الجيش و القضاء الحماية الأمنية و القانونية لهم و سوف يتبع هذا الكثير من الأعمال الاستفزازية الرخيصة و نشر لشائعات التحريضية و ستكون أشبه إلي حلبة الصراع الديني و الكراهية ضد الكفار و المسيحيين منه إلى الديموقراطية و سوف تزداد التصريحات العنصرية التي تتوافق مع نفسية الناخب حتى يمكن اصطياده

وجهاء الأسر في الأرياف هم المتطوعون للعمل العام و لخدمة الباقية في وسطهم سياسيا و اجتماعيا و يقومون بهذا منذ عشرات السنوات منذ حتى الملكية و يتم توارث هذا العمل بينهم .... أراد الأخوان و السلفيين القضاء عليهم نهائيا و اغتيالهم سياسيا حتى تكون الساحة خالية لهما وحدهما و يكون لهما الغلبة ..... لذا أطلقوا عليهم لفظ (فلول النظام) بالرغم من كونهم (مع كل نظام) و المشكلة الحقيقة لنظام السابق لم تكن فيهم! ... سوف يكون الصراع دمويا بينهم في الانتخابات القادمة و سوف تقوم السعودية و الإمارات و قطر بتمويل هذه الحملة لصالح هؤلاء الإسلاميين

سوف يقوم الأخوان و السلفيين بأتباع نفس أسلوبهم القديم في الانتخابات منذ سبعينات القرن الماضي في الجامعات و النقابات المهنية و الذي يعتمد على (تطفيش) غالبية الناخبين من المسلمين المعتدلين و المسيحيين من الإدلاء بأصواتهم من خلال إعمالهم الإرهابية و العدائية الحقيرة و بالأخص ضد المرأة و شعاراتهم العنصرية و هذا يؤدى إلى امتناع الغالبية عن الذهاب إلي لجان الانتخابات ... المشكلة تقع في عدم وجود لجان قريبة من الناخب ، لجان منظمة و محترمة إنسانية و بلا غوغائية على أبوابها أو في محيطها و لجان لا يديرها شويه بلطجية إخوانية سلفية بمباركة قضائية