تغيرات الشرق الأوسط و ظهور قوى جديدة



خطط كثيرة يقوم بها الغرب بقيادة أمريكا لمحاصرة الإرهاب و الاستباق الى إحباطه و وأده في مهده قبل التنفيذ و ما يحدث في الشرق ليس ببعيد عن تلك المخططات الاستباقية طويلة المدى و التي ينتظر ان تأتي بثمارها بعد عدة سنوات .. و قد ظهرت بشائرها على السطح بالعودة التلقائية لخلايا النائمة و المعلنة  من الإسلامين الى أوطانهم الذين قد يسهل التعامل معهم على أرضهم كما هو حادث الآن في الصومال و باكستان و افغانستان .. عموما هاجس الأمن الداخلي عند الغرب هو المسيطر الأول و له الأولية العظمى عند وضع الخطط الأمنية الاستراتيجية

أصابع الأيدي الغربية ليست ببعيدة عن التغيرات الحادثة في الشرق و التي يطلق عليها ثورات كما في تونس و مصر و ليبيا و اليمن و ما نتج عنها من استبدال للأنظمة الدكتاتورية العروبية بأنظمة إسلامية .. تقوم الدول الغربية بمراقبة و تقويم مسار عمليات الفوضى الحادثة في تلك البلاد حتى لا تخرج عن المسارات المخطط لها و لكى لا تصبح تلك الثورات عبارة عن مجرد "بروفات ثورية" لثورات أكبر و أعمق ليست في الحسبان

تبحث كلا من أمريكا و الدول الغربية ( انجلترا و المانيا و فرنسا ) عن مصالحها و أهدافها الخاصة من خلال الفوضى التي تعم أنظمة دول الشرق الأوسط و عمليات أعادة التشكيل بها من خلال الخطط المشتركة و المنفردة لحماية المصالح .. في نفس الوقت تتسابق اسرائيل و تركيا و أيران فيما بينهم لكى يتم الانفراد و الاستحواذ على دور القيادي في منطقة الشرق الأوسط مستقبلا .. تتصارع روسيا على الساحة و بكل شراسة لكى تستعيد جزء من النفوذ السابق لاتحاد السوفيتي على المستوى الدولي لكى تصبح قوة حقيقة منافسة تعادل كفة الميزان في العلاقات الدولية و تساندها الصين الشعبية و تؤيدها على ذلك لتوترها الدائم مع الغرب(أقصد الصين) بسبب حقوق الأنسان لديها و مشكلة "تايوان" و تخوف الغرب من معدل النمو الاقتصادي السريع لديها و تأثيره عليهم سلبيا على المدى الطويل .. لكن يستمر التخوف الأكبر لدى الغرب هو من عودة الأيدولوجية الاشتراكية على الساحة بطريقة أو أخرى مرة ثانية على حساب الرأسمالية التي تتهاوى و تترنح في معقلها الان في أمريكا

أي تغيرات مستقبلية في النظام السوري سوف يعود حتما بالسالب على روسيا اذ لم تشارك في وضع تصميمه لكى تضمن لها منفذ على البحر المتوسط  .. التحالف الروسي الإيراني السوري يصب في هذا الاتجاه و لكن هناك حذر شديد في نفس الوقت من نشوء قوة إقليمه منفردة على الساحة (ايران أو تركيا) مما قد يأتي سلبيا على كلا من الأمن القومي الروسي و الصيني معا بسبب تواجد الأقليات الإسلامية الكبيرة بهما و المتشاركة عرقيا و لغويا و طائفيا

ترجع أهمية مجموعة دول القوقاز و جنوب شرق اسيا .. كازاخستان / طاجيكستان / أوزبكستان / تركمنستان / قرغيزستان / أذربيجان / افغانستان الى غناء أراضيهم بالمعادن النفيسة و الى الاحتياطات البترولية المؤكدة المتواجدة بها .. تحيط تلك المجموعة جغرافيا روسيا من الشمال و الصين شرقا و تركيا من الغرب و ايران جنوبا .. تعتبر هذه المجموعة منطقة النفوذ الروسي التاريخية لكونها جزء من الاتحاد السوفيتي السابق التي تؤثر مباشر على الأمن القومي الروسي .. يرتبط مواطني تلك البلاد بروابط عرقية و دينة و طائفية و تاريخية مع كلا من أيران وتركيا مما يجعل روسيا و الصين يتخوفان من تغلب أحدهما (أيران أو تركيا) و انفراده كشرطي إقليمي

يضع الغرب العين على تلك المنطقة منذ سقوط الاتحاد السوفيتي و كبديل استراتيجي لمنطقة الخليج الفارسي الغنية بالبترول و الملتهبة دائما من خلال نقل مركز الثقل البترولي اليها  ... يعتبر أبناء تلك المنطقة أكثر قابلية لتحضر و الانخراط في المجتمع الدولي مقارنة بأبناء الدول الخليجية ... لن يترك الغرب منطقة الخليج في المقابل و لكن يستطيع في ذات الوقت من تغير تلك الأنظمة الخليجية العفنة الحاضنة لفكر السلفي الوهابي دون الخوف من توقف الإمدادات البترولية لوجود البديل لديهم .. سوف يستمر "الفكر السلفي الوهابي" هو العدو الأول لكلا من أمريكا والغرب و روسيا و الصين حتى لو اختلفوا و تصارعوا فيما بينهم

وجود روسيا في سوريا يؤجل هذا المخطط الغربي مؤقتا و يكبح في نفس الوقت الأتراك من لعب دور الشرطي في المنطقة على حساب أيران .. قيام الأتراك بتسهيل وصول الغرب الى منطقة القوقاز يضمن لهم تماسك تركيا بشكلها الحالي دون تقسيم مع الأكراد مع ضمان غض النظر في المستقبل عن أي تجاوزات عرقية تجاه الأكراد أو طائفية تجاه العلويين و الأرمن لديها .. نفس الشيء يقرأه الإيرانيون جيدا و يستغلونه و يقتربون أكثر من الروس و الصين .. نجاح الروس في البقاء في سوريا تحت أي مسمى و أي اتفاق مستقبلي يعطيها دفعة قوية في أتجاه استرجاع النفوذ السابق لأتحاد السوفيتي و يضعها على الخريطة الدولية بشكل كبير مرة ثانية و قد كانت زيارة الرئيس بوتن الى إسرائيل مؤخرا تصب في هذا الاتجاه و لطمأنه الطرف الأخر في نفس الوقت

حتى لا تختلط الأوراق على البعض .. القضاء على الإرهاب .. هو الهدف الاستراتيجي الأول لغرب و يعلو على جميع الأهداف الأخرى .. يعلم الغرب جيدا ان رأس و جسم الإرهاب يتواجدان اساسا في مصر و السعودية و الانتصار علي الإرهاب يجب ان يكون في عقر داره .. الغرب لا يعادى الإسلام كديانة و لكنه يعادى الممارسات التي تتخذ من الإسلام مرجعية في سلب حقوق الأنسان المتفق و المتعارف عليها انسانيا الآن كحرية الرأي و الفكر و حرية اختيار العقيدة و الحريات الأخرى .. التقدم السريع لتكنولوجيا المعلومات و الأنترنيت يسببان ضغوط شديدة على الطرفين و لكن التاريخ يعلمنا دائما أن البقاء لأصلح إنسانيا

مع محبتي و شكري