الآلهة الفرعونية و عقائدهم في الميزان (2)


كما ذكرت في المقالة السابقة إن (التاسوع المقدس) و هو مجمع التسعة ألهه و بالإضافة إلى الإله (رع - اتوم) رب الأرباب الذي يرأسهم ، و يمكن تشبيه هذا (التاسوع المقدس) بالهيئة العليا أو السلطة العليا في أي دولة و رؤساء المقاطعات أو الولايات مثل (الآلهة المحلية) لهذه المقاطعات و الكل بقيادة رب الأرباب (رع - اتوم) و هذا يتشابه مع أي نظام أدارى في كثير من الدول ألان ، و لكي يستطيع الإنسان تقيم هذه العقيدة القديمة ، فيجب مقارنتها بعقيدة أخرى ، و يجب أولا معرفة ما قدمه هذا (التاسوع المقدس) و الآلهة المحلية و رب الأرباب (رع - اتوم) إلى البشرية خلال خمسة الآلاف سنة قبل الميلاد إلي البشرية في تلك الوقت و ماذا قدم هذا (الثالوث البدوي) المكون من (الله + جبرائيل + محمد) إلى البشرية خلال 1400 سنة حتى ألان.


بالإضافة إلى (الآلهة العامة) ، حيث كان لكل إقليم (إله محلي) و يتم النظر إليه باعتباره الحامي للإقليم ويعتبر السلطة العليا في الإقليم وكل شئ يكون تحت رعايته وتخطيطه ، وعندما بدأ الاتصال بين المقاطعات عن طريق التجارة أخذت بعض هذه (الآلهة المحلية) تختفي تدريجيا و أخرى يعظم شأنها و في بعض الأحيان تندمج بعض الآلهة الصغيرة مع إله عظيم الشأن ويستولي على كيانهم فيصبحوا كيان واحد.، وعند التوحيد بين الوجه القبلي والوجه البحري على يد (نارمر) الذي يعتقد أنه هو نفسه (الملك مينا) ، أصبح إله العاصمة هو المعبود الرئيسي وأصبحت بعد ذلك كل الآلهة الأخرى آلهة ثانوية فأضطر الكهنة من أجل الحفاظ على مكانتهم ومعبوداتهم إلي إعلان أن معبوداتهم (صورة) أو (تجلي) من الإله الرئيسي.


الاختلاف في العبادات بين المقاطعات المختلفة لم يكن بالاختلاف الكبير و يمكن اعتباره يتشابه مع هذا الاختلاف الحادث بين الطوائف المختلفة لأي عقيدة في وقتنا الحالي لا غير ، لان جوهر العقيدة في الحالتين واحد ، و يلاحظ انه لم يتم التسجيل أو الإشارة على المسلات أو على (أوراق البردي) لوجود أي منازعات أو حروب مستمرة بين أهالي هذه الأقاليم أو المقاطعات على أساس عقائدي أو طائفي و لكن كان الجميع يعيش بسلام و تسامح مع الأخر و يتقبل الأخر و بالتالي هذا ساعد على البناء و التقدم الحضاري لمجتمع الفراعنة


عندما نضع في المقابل في الميزان ما يحدث بين المسلمين الآن بين طائفة السنة و طائفة الشيعة و بين الطوائف السنية فيما بينهم ، و مع غيرهم من غير المسلمين من (الكفار) ، نجدهم يتصارعون و يتقاتلون فيما بينهم على أبسط الأمور ونجد القتل و السرقة و اغتصاب النساء من المسلمات عند معاداة بعضهم البعض و الشواهد كثيرة على ذلك في خلال السنوات السابقة ، وأصبح تطبيق هذه العقيدة عمليا و على أرض الواقع يؤدى إلى التأخر و الانحطاط الحضاري و إلى المزيد من الكراهية بين البشر كما نرى الآن على مستوى كل البلاد الإسلامية ، و حتى أصبح المسلمون المتدينون و عقيدتهم خطرا كبيرا على البشرية جمعاء

بكل تأكيد و بدون أي مواربة ، لو أستمر المصرين على عقيدتهم الفرعونية و مع إلهاتهم الفرعونية ، لكان حال المصرين أحسن كثير جدا عن حالهم الآن و في كل المجالات ، و كان من الممكن قيادة العالم حضاريا و نشر السلام و المحبة بين الشعوب بدل عن البغض و الكراهية و الإرهاب


« الآلهة »
و تنقسم الآلهة المصرية عامة إلي عدة أقسام ، آلهة محلية و يتم إعطاءها شكل حيوان و أجساد حيوانية عند القيام برسمها و تصويرها على جدران المعابد ، أو بأجساد بشرية و رءوس حيوانات و يوجد ألهه و معبودات لها معابد خاصة بها ، و أخرى ليس لها معابد و هي خاصة بالفرعون وحده
لمن يكن المصري القديم يعبد الحيوانات لذاتها و لم يكن أيضا يعتقد بتجسد الآلة في أي حيوان أو حتى تقمص روح الآلة لأي حيوان ، ولكن كانت هذه الحيوانات ترمز إلى الآلهة فقط لا غير ، و كان التقديس يوجه من المصرين و العامة إلي المرموز إليه و ليس الرمز.، و كان يتم تخفى الآلهة وراء هذه الرموز من الحيوانات و يتم اختيار رموز هذه الحيوانات طبقا لصفة السائدة التي يراد إظهارها في الإله المعبود ، و نفس الشيء ينطبق على التماثيل الحجرية و الرسومات!!!

الآله رع




« كهنة المعابد »
كان كهنة المعبد ينقسمون إلي أربعة أقسام كل قسم يخدم المعبد شهراً على التوالي و كانت الطبقتان الرئيسيتان من الكهنة هما (خادم الإله و الطاهر) وتعتبر الطاهر هي الطبقة الأدنى. وكما كان (للمرأة) دور في الكهانة حيث كان هناك كاهنات في بعض المعابد وكانت (الملكة) تعتبر كبيرة كاهنات آمون وتعتبر زوجة الإله. أما باقي الكاهنات فكن حظيات الإله وكان دورهن في الخدمة الدينية وعزف الموسيقى.


معبد الكرنك


معبد حتشبسوت

« المعابد »
 يضم المعبد بجانب الشعائر الدينية التي يقوم بها الكهنة ، مدارس لتعليم القراءة والكتابة وأيضاً معاهد فنية تخرج من الموهوبين ، (رسامين وحفارين ومثالين) ، و هؤلاء كان الكهنة يستعينون بهم بعد ذلك ، بالإضافة إلى هذا هناك أيضا مكتبات لكل العلوم وكانوا يهتموا في المعبد بدراسة الفلك وبعض العلوم الأخرى كما كان الكهنة يقومون بتعليم الطلاب العلوم الدينية اللازمة ليصطفوا أفضلهم ليكونوا كهنة بعدهم (فيما بعد) وكان يوجد في بعض المعابد شرطة وسجن ، وفي البر الغربي يوجد رجال الحدود الذين يسموا الميجاو وكانت وظيفتهم تنفيذ (أحكام المعبود) بالقبض على المخطئين.

« الفرعون والآلهة »
كان للفرعون مكانة متميزة وشخصية مزدوجة وذلك لأن المصريين كانوا يعتبروه (بشراً) ولكن ليس مثلهم حيث أنه في نفس الوقت (إلها) وقد كان دوره (كإله) هو أنه واهب لشعبه كل شئ وكإنسان بأنه (مخلوق) من المخلوقات الخاصة بالآلهة .وقد كان الفرعون كإنسان يتولى العرش بحق الوراثة باعتباره الوريث الشرعي وباعتباره ابن للإله الأكبر، ولذلك كان يجب على الإله أن يزور الملكة في صورة مرئية لتلد الملكة ابنا للإله وبذلك يحصل الفرعون على الشرعية اللازمة لتولي حكم مصر كإنسان وإله ، وعندما يشيخ الفرعون وجب على المصريين أن يجدوا لهذا تفسير وإجراءات لمواجهة هذا الحدث لذ فقد اعتقد المصريون أن جسد الإله الذي هو جسد إنسان (الفرعون) هو الذي يشيخ ولكن الروح خالدة فيها كل صفات وكمال الإله ولكن لتجنب حدوث آثار كبر على الروح الإلهية أو حدوث موت هذه الروح مع الجسد فكان يجب التضحية بجسد الفرعون لتتجسد الروح في جسد شاب .وبذلك يحافظوا على الروح الخالدة


« طرق التضحية »
الأولى:
عن طريق الذبح عندما كان يتحتم إغراق الدم على الأرض
والثانية:
بالحرق عندما كان يتعين جمع الرماد ونثره على الأرض أو في القليل النادر عندما ينثر على مياه جارية كرقية لنزول الأمطار
الثالثة:
عن طريق الاختناق خنقاً أو غرقاً أو شنقاً ، وعندئذ تقطع أوصال الجسم الأشلاء في نواح مختلفة من البلاد.، ولتجنب هذا الأمر بدلاً من أن بضحى الملك بنفسه يعين نائباً له ويبقى أياما وأسابيع يتخذ دور الملك حتى يحين موعد التضحية و يضحي به ولم يعرف هل يكمل الفرعون حكمه بعد ذلك أم يتولى الوريث


« قصة إيزيس وأوزوريس الشهيرة »
يعتقد أن (أوزوريس) كان ملكاً عادلاً محباً للخير يحكم مصر من مقره بالوجه البحري ،وكان أخوه (ست) يحسده ويريد عرش مصر فأعد وليمة كبيرة دعا إليها أخاه وكان قد أعد صندوقاً فاخراً فدعا (ست) المدعوين إلى الاستلقاء في التابوت فمن يجد التابوت مناسباً له يستطيع أن يأخذه ، وكان (ست) قد أعده على مقاس (أوزوريس) وعندما استلقى فيه (أوزوريس) أغلق (ست) وأعوانه التابوت عليه ورموه في النيل فمات (أوزوريس) غرقاً


أخذت الربة (إيزيس) تبحث عن زوجها حتى وجدته في جبل (بيبلوس) ولكن (ست) أفلح في سرقة الجثة وقطعها إلى (14 جزء) وفي بعض الروايات (16 جزء) ثم قام بتفريقها في أماكن مختلفة في مصر ولكن (إيزيس) و(نفتيس) تمكنتا من استعادة الأشلاء ما عدا عضو الذكورة (وفي بعض الروايات يقال أنها استعادت كل الأجزاء) واستخدمت (إيزيس) السحر في تركيب جسد (أوزوريس) لإعادة الروح له و الإنجاب منه ثم حملت من (أوزوريس) وقد كان من الصعب أن يحيا أوزوريس مثل حياته الأولى فلزم عليه أن يحيا في مملكة الموتى و يكون ملكا فيها و ولدت (إيزيس) منه ولداً وهو (حورس) (بالسحر أيضاً) وقامت إيزيس بتربية (حورس) في أحراش الدلتا سراً حتى اشتد ساعده فأخذ يصارع (ست) انتقاما منه لأبيه حتى هزمه في النهاية




« قصة النشأة و الخلق »
أو(أسطورة هليوبوليس) ، تقول الأسطورة أن الكون قد نشأ من ماء غير مشكل يسمى (نون) انبثق منه الإله (آتوم) الذي ظهر فوق ربوة تسمى الربوة الأولى أو ربوة الخلق ، والإله (آتوم) يساوي الإله (رع) ثم قام الإله آتوم بإيجاد الأخوة و الزوجين في نفس الوقت (شو) إله الهواء و(تفنوت) ربة الرطوبة و الماء وهما اللذان أوجدوا بدورهما الإله (جب) إله الأرض و (نوت) ربة السماء ثم نتج عنهما (أوزوريس و إيزيس و ست و نفتيس) ، وقد كونت الآلهة التسعة ما يسمي بالتاسوع الإلهي (أي مجمع الآلهة التسعة) ويعتبر هذا التاسوع كياناً إلهيا واحداً وقد اشتق من هذا النظام نظرية كونية وهي تصوير الكون على هيئة (ثالوث) تكون من (شو إله الهواء وهو واقف ساندا بيديه الجسد الممدد لربة السماء نوت ويرقد الإله جب عند قدميه)


« قصة رحلة الشمس »
أعتقد المصريون برحلة الشمس بالليل والنهار،و فظهرت قصص كثيرة حول رحلة الشمس بالليل أهمها أن الشمس مولودة من الإلهة (نوت) إلهة السماء والتي تولد منها كل صباح وتموت كل ليلة بين ذراعيها ، و القصة الأكثر تأثير ولاقت قبولاً عند المصريين هي أن الشمس كانت تجوب السماوات في قارب يبحر بها في النيل السماوي يسمى هذا القارب (قارب ملايين السنيين) وفي الصباح يسمى قارب معنزة (أي قارب القمر) وفي المساء يسمى قارب مسكتت (أي قارب المساء) وبالليل تدخل المركب مملكة الليل التي تسمى أيضاً بالعالم الآخر المعروف باسم الدوات وينقسم هذا العالم إلي (12) إقليما كل إقليم له اسمه الخاص يفصله عن الإقليم الآخر بوابة يحرسها حارس أمين ، وهذه الأقاليم تقابل (باثني عشر ساعة بالليل). كما يوجد بالقارب كثير من المعبودات التي تحمي إله الشمس من جميع مخاطر الليل وكان بكل قسم آلهة يعرف كلمة السر وبدون كلمة السر لا يسمح للقارب بالمرور حتى بوجود الإله ( رع.)




الآله آمون

« آمون Amen-Ra / Amon»
هو ملك الأرباب، و تم اقتران اسمه باسم رب الأرباب رع ، و هو يعنى الإله الخفي ( The Hidden One) ولقب (بملك الآلهة) واندمج مع كبار الآلهة فأصبح (أمون - رع) ، والذي ظهر في الدولة القديمة كعضو من مجموعة أرباب الأشمونيين الثماني (المحلين). وقد برزت ديانته مع الرفعة السياسية (لطيبة) وأصبح في عصر الدولة الوسطى ملكا للآلهة في جميع أنحاء مصر، وسيد معابد الكرنك. وقد شكل آمون مع زوجته (موت) وابنهما (خنسو) ، رب القمر، (ثالوث طيبة) ، أي العائلة المقدسة لشعب طيبة ، وكان يقام مهرجان سنويا للاحتفال بزواج (آمون وموت)


و هو ملك المعبودات ورئيسها واحتل مكانة كبيرة بين الآلهة عند المصريين وله آثار كثيرة في تاريخ الحضارة المصرية ، ظهر اسمه في عصر الأسرة الخامسة ضمن (متون الأهرام)، و رمزوا له برجل يجلس على العرش و على رأسه ريشتان طويلتان لونهما أحمر وأخضر فوق تاج عليه أحياناً قرص الشمس ، و قد زادت قوّته عندما اتخذه الملوك الذين طاردوا (الهكسوس) رمزاً لهم، فأصبح أهمّ معبود لهم في الدولة، بل ومعبوداً عالميّاً للإمبراطوريّة المصريّة في عصر الدولة الحديثة ولقد زاد نفوذ كهنته وزادت ثرواتهم مما جعل بعض الملوك يستاءون من ذلك كما حدث في عصر (إخناتون) ولقد احتفظ المعبود (آمون) بمكانته القوميّة بين المعبودات

الآلهة موت 
 « المعبودة (موت) »
المعبودة أو الربة (موت) زوجة المعبود (آمون) وقد عبدت بمدينة (طيبة) وكان يرمز لها بسيدة تحمل على رأسها تاجي مصر وتمسك بيدها نبات البردي,ولقبت (بملكة الملكات) ، و قد بنى لها الملك (أمنحوتب) الثالث معبداً لا تزال آثاره باقية إلى الآن بالكرن و معها ابنها الطفل خونسو






« حركة إخناتون التوحيدية »
عاش المصريون فترة طويلة في زمن تعدد الآلهة حتى عهد الملك إخناتون والذي قاد أول حركة توحيدية و أعتبر الملك إخناتون الآلهة في صورة (إله واحد) و سماه (آتون) ورمز له (بقرص الشمس) المشعة التي ترسل أشعتها بالخير على كل البشر، كما سمي نفسه إخناتون أي المرضي (لأتون) ولم يكن (إخناتون) مهتما بالناحية العسكرية لضعف جسده واعتلال صحته ، و ربما كان هذا هو السبب لاهتمامه بالفكر و الدين ، ولكن توحيده للآلهة في صورة (إله واحد) قد سبب ثورة عارمة ، حيث كان في ذلك الوقت كهنة آمون ذو نفوذ قوي مما أدي لقيامهم بثورة و سميت ثورة كهنة آمون
قام (إخناتون) باضطهاد كهنة آمون وعمل على محو ذكرى الإله (آمون) من المعابد والآثار كما عمل على نشر عبادة (آتون) في البلاد فاتخذ منطقة تقع تقريبا في منتصف المسافة بين مدينتي طيبة و منف في جوار قرية العمارنة و هي ( بين محافظة المنيا و أسيوط ) بمصر الوسطى أتخذها عاصمة له و اسماها (اخيتاتون)
أنشغل إخناتون بعبادة أتون وأهمل الأحداث الجارية بالممتلكات المصرية في (المنطقة الشرقية من حدود مصر) حتى كادت تقع تحت سيطرة الأعداء ، وبعد وفاة (إخناتون) دفن بالعاصمة الأصلية (طيبة) وتولى الحكم بعده (توت عنخ آتون) أي الصورة الحية لآتون وعلى يد هذا الملك الشاب أصبحت عبادة (آمون) مسموحا بها مرة ثانية وتحول اسمه إلي (توت عنخ آمون) ورجع إلي العاصمة الأصلية (طيبة) لإظهار التسامح


اشكر القارئ .... و إلى الجزء القادم


«( المراجع )»
(1) موسوعة تاريخ أقباط مصر بقلم (عزت اندراوس)
(2) موسوعة مصر القديمة بقلم (سليم حسن)
(3) الحياة اليومية للآلهة الفرعونية و ترجمة فاطمة عبدالله و مراجعة د.محمود ماهر و بقلم (كرستين فافارميكس)
(4)ديانة مصر القديمة و ترجمة د.عبد المنعم أبو بكر و د.محمد أنور شكري و بقلم (ادولف ارمان)
(5)أساطير معبد ادفو و ترجمة محسن لطفى السيد و مراجعة د.محمد صالح
(6) فجر الضمير ترجمة سليم حسن و بقلم (جيمس برستيد)